الراي نيوز -  كريستين حنا نصر


الهاشميون كعادتهم في التربية والتنشئة النموذجية، يؤسسون الأمراء باستشراف مستقبلهم كولاة عهد أو أمراء وأميرات يعملون لصالح وطنهم وأمتهم وإنسانيتهم، من خلال تعليم بمواصفات ومستويات عالية، تليق بأمير أو أميرة يمتلك الواحد منهم معرفة وثقافة ومهارات رفيعة، وعلى هذا النهج الهاشمي حظي صاحب السمو الملكي الامير الحسين بن عبد الله الثاني رعاهم الله، على دراسة وتعليم مميز، حيث حصل سموه على تعليمه الجامعي في التاريخ الدولي من جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2016م، وليتخرج سموه لاحقاً عام 2017 من الأكاديمية العسكرية الملكية ساندهيرست البريطانية، مثل والده جلالة الملك عبد الله الثاني وأيضاً جده المغفور له الحسين بن طلال .

ويلاحظ أن سمو الأمير يشارك بصفته ولي العهد في اجتماعات ولقاءات محلية ودولية، بمعية جلالة الملك وفي بعض الأحيان ينوب عن جلالته، ومؤخراً قبل أيام شارك سمو الامير الحسين في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP29) في العاصمة الأذربيجانية باكو (باكويه)، حيث ألقى سموه كلمة الاردن في المؤتمر أمام القيادات والحضور العالمي، وبالنيابة عن شعب المملكة الأردنية الهاشمية، وقد لاحظت أنا شخصياً في القاء كلمته امتلاك سموه قوة وثقة بالنفس وبالطبع الثقافة الواضحة والمهارة في الالقاء، متمكناً ومحترفاً باللغة الانجليزية واتقانها بلهجة ومستوى عالي، وفي نفس الوقت نبرة صوته توحي لي بأنك أمام شخصية قوية واثقة بنفسها.

شكر سموه في كلمته المتميزة فخامة الرئيس ( إلهام علييف) وأيضاً شعب وحكومة اذربيجان على استضافة وتنظيم هذه القمة بالغة الأهمية لحماية الكوكب الذي نتشارك فيه، والذي يوجب على المجتمعات الأممية أن تتحد من أجل حماية كوكبنا والا أصبح مصيرنا الفشل، وهنا الاحظ أن الامير الحسين يستغل هذه المناسبة بوجود القيادات العالمية ليسلط الضوء على الصراع الملتهب في غزة ، وفي شقيه أو جانبيه السياسي للصراع وطبعاً المناخي كنموذج للمنطقة غير المنكوبة حصراً، ففي الشق السياسي يوضح سموه للحضور أنه في لحظة يتلاشى فيها الايمان بقدرتنا على الوقوف معاً حيث يتم انتهاك المعايير العالمية، أي ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف ، ودون عقاب وتنهار الثقة في قدرة المجتمع الدولي في الدفاع عن قيّمه ، حيث الانتهاكات الانسانية التي يشاهدها العالم أجمع ، ودون وجود عواقب أو عقاب رادع .

ويصر سمو الأمير أنه ليس من الواجب علينا فقط انقاذ كوكبنا فحسب ، لكن يجب أيضاً أن نكون مؤمنين بحقيقة يوضحها بعمق سموه ، وهي أنه وعلى مدى 13 شهراً الماضية يقف العالم متفرجاً أمام مشاهدة الالاف من الشهداء في غزة، اغلبيتهم من النساء والأطفال ، وهنا يقول سموه :" كيف لنا أن نعمل معا من أجل مستقبلنا المشترك، عندما يُنظَر إلى البعض على أنهم لا يستحقون أن يكون لهم مستقبل؟ "، ويقول سموه أن الصراعات والعنف في منطقتنا سوف تزيد من مناخ تقويض السلام والأمن أيضاً خارج حدودنا ، فالعنف المتصاعد في منطقتنا مرتبط أيضاً بالتغيير المناخي ، فعلى سبيل المثال ارتفاع درجات الحرارة والجفاف وفقدان التنوع الحيوي ، وهذا واضح نتيجة الحرب الدائرة في غزة ، حيث تتفاقم معها وفيها التحديات ، بما فيها البيئة وتلوث الأرض والمياه والهواء وتدمير أنظمة الصرف الصحي وفشل وعدم القدرة على ادارة النفايات التي تلوث البيئة ، حيث تحولت غزة معظمها الى مقابر للحطام والدمار ، مشيراً سموه الى بعض الدراسات التي توضح وجوب ايجاد الية لاعادة الاعمار في غزة من جديد ، حيث اشار سموه الى مسألة مهمة وهي أن الانبعاثات الحرارية التي ستكون ناتجة عن اعادة الاعمار أعلى من الانبعاثات السنوية لأكثر من 135 دولة مجتمعين .

لقد أوضح سموه بأنه يجب علينا الربط بين أهمية العلاقة بين المناخ والسلام والأمن ، موضحاً كذلك أن الاكثر ممن يتعرضون للتحديات المناخية ، هم من الدول المستضيفة للاجئين ، حيث يشكل ذلك عليهم الضغط والعبء الكبير خاصة على البنية التحتية، وهنا الامير يعطي مثالاً على ذلك الاردن الذي هو أيضاً يواجه طلباً متزايداً من الموارد ، مما ينتج عنه تحديات تتعلق بالضغط على استهلاك الكهرباء والمياه والخدمات الصحية والتعليمية ، حيث انه من بين كل ثلاثة اشخاص في الاردن يتواجد واحداً منهم من اللاجئين.

ويذكر سموه في كلمته أنه في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ السابع والعشرين COP27، قد أطلق جلالة الملك عبدالله الثاني مبادرة "مترابطة المناخ - اللاجئين" العالمية، إذ حظيت هذه المبادرة المتميزة بدعم 58 دولة حول العالم ، مشيراً سموه في كلمته الى كيفية قدرة المملكة الاردنية الهاشمية في النجاح الكبير والذي قطعت على اثره شوطاً في مجال الطاقة النظيفة والزراعة الذكية مناخياً ، الى جانب النجاح في الحفاظ على المياه من الهدر، معتبراً سموه أن كل هذه الجهود الأردنية الهاشمية هي ليست كافية ، واننا جميعاً في مجتمعاتنا الدولية ما زلنا نحتاج لحشد الجهود من اجل القيام بعمل وصفه سموه بالعمل المناخي، من أجل ضمان تأمين مناخ أفضل للاجيال ولمستقبل الشباب ، موضحاً سموه أن الأردن لا يمكنه العمل بمفرده على ايجاد الحل وتطبيق السياسات المتعلقة بالمناخ خاصة ما يتطل بتداعيات واثار النزاعات في منطقتنا .

وحث سموه على وجوب اعطاء الاولوية للدول المستضيفة للاجئين، وفي المناطق الأكثر عرضة من غيرها لآثار التغيير المناخي، كما انه من المفترض ضمان المساءلة والشفافية للجميع في آليات تمويل المناخ العالمية ، وانه يتوجب علينا جميعاً اعادة بناء الثقة بالمجتمع الدولي ، والاعتراف بالاخفاقات السابقة ، وهنا يختم سمو الامير الحسين كلمته في مؤتمر المناخ (COP29 ) بمقولة لجلالة الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الاردنية الهاشمية " في صراع الحياة على هذه الأرض ليس هناك متفرجون ".

وهنا يعني جلالة الملك أنه ينبغي النضال من قبل الجميع في مواجهة التغير المناخي ، من اجل السلام وتخفيف المعاناة الانسانية ، لأن كل حياة على هذه الارض تستحق النضال من أجلها ولاستمرار الحياة ، وبالنتيجة سيكون النضال سبباً ليحل السلام عالمنا الذي نعيشه اليوم .